ان من اشد ما يحزن إسرائيل على تركها لسيناء وانسحابها منها هو ما تعرفه عنها من ثروات خاصة الثروة المائية ولقد حدثني احد أصدقائي العاملين فى مجال حفر المياه انه ذهب مع إحدى الشركات التي تقوم بأعمال الحفر لاستخراج المياه إلى احد المواقع التي كانت إسرائيل تزرعا في وسط سيناء وبعد ان انتهت الشركة من الحفر حتى عمق 300 متر أعلنت انه لا توجد مياه ولكن احد الأعراب همس في أذنه ان إسرائيل كانت تحفر حتى عمق 900 متر ولكن يبدو ان امكانيات الحفار لم تكن تستطيع ان تصل إلى هذا العمق.
أما في الصحراء الغربية فيعلم الجميع قصة بئر قفار فى شمال منخفض القطارة حيث ظلت المياه تتدفق من احد الآبار لمدة 3 سنوات حتى أحدثت بحيرة بقطر 30 كيلو متر في المنطقة التي كانت تبحث فيها احدي شركات البترول مما دعي أهالي مطروح إلى المطالبة بان تقوم وزارة الري بنقل هذه المياه إلى مطروح ولكن وزارة الري بدلا من ان تقوم بهذا ردمت البئر بالاسمنت والزلط حتى لا يفتح مرة أخرى وحجتها ان ذلك مخزون استراتيجي علما بان المنطقة كانت قد بدأت تدب فيها الحياة من نباتات وطيور وبدأت صورها تظهر في صور الأقمار الصناعية وهذا الخزان الذي تقول عنة وزارة الموارد المائية هو نفس خزان الحجر النوبي الذي يمتد أسفل الصحراء الغربية وليبيا وتشاد والذي يمد النهر العظيم في ليبيا بـ 6,5 مليون متر مكعب يوميا من المياه.
وفى مكان آخر على بعد 6 كيلو متر بجوار واحة سيوه حدث نفس الشيء فى منطقة تسمى بئر واحد حيث كانت إحدى شركات البترول تحفر فى المكان وتكونت بحيرة عذبة يستخدمها سكان سيوه الآن فى السياحة البيئية للأجانب.
وحدث نفس الشيء في رأس سدر ولكن الذي قام بقفل البئر هذه المرة هي شركة البترول الأجنبية التي طابت بتكاليف الحفر من المحافظة التي رفضت ذلك.
وقد تم اكتشاف المياه في العوينات بنفس الطريقة أثناء تولى أحمد عز الدين هلال وزارة البترول في نهاية السبعينيات.
وأكد الدكتور ممدوح حمزة الاستشاري العالمي أن الدراسات التي في حوزته وحوزة بعض خبراء المياه الجوفية في مصر تؤكد وجود مياه جوفية كافية للتنمية في الصحراء الغربية، فالمخزون الاستراتيجي في هذه المنطقة يكفى على الأقل لزراعة مليون فدان لمدة لا تقل عن 50 سنة قادمة.
وأضاف "حصلت على هذه المعلومات من دراسات قام بها الخبير الجيولوجي الراحل أحمد برقوقى والتي قدمها للسادات سنة 1979 وكان البرقوقى من كبار علماء الجيوفيزياء المصريين وعمل لعدة سنوات مع شركات أمريكية في مجال التنقيب عن البترول في الصحراء الغربية، بالإضافة إلى الدراسات الموجودة الآن لدى المهندس حسين إدريس والذي شارك في أبحاث عن المياه الجوفية وقام بإجراء اختبارات حقلية وتوصل إلى نتائج رقمية وليست وصفية لعدد من الآبار يصل طولها إلى 24 ألف متر طولي".
وقال ممدوح حمزة إن المعلومات المتعلقة بالثروة الطبيعية من مياه جوفية ومعادن بترول وغاز في الصحراء الغربية كانت وحتى وقت قريب ومنذ الستينيات بيد شركات البترول الأمريكية التي انفردت تقريبا بمعلومات التنقيب هناك وحتى نهاية السبعينيات، ولم يكن لهذه الشركات أن تنشر بيانات عن اكتشافها لمياه جوفية تستفيد منها مصر في التنمية، وليس من السهل أن تمدنا هذه الشركات بما ترصده من معلومات عن الثروات الطبيعية حتى لا نتمكن من تنفيذ مشروعات تنموية كبرى، وكان هذا هو السبب الرئيسي في تأخر الاستفادة من بترول الصحراء الغربية حتى جاء الوزير سامح فهمي الذي أعاد الأمور إلى نصابها.
ومن خلال عملي في الصحراء الغربية التقيت ببعض العاملين بها الذين أكدوا وجود 17 بحيرة مياه عذبة في منطقة الصحراء الغربية غير المناطق التي ذكرتها.
أما الجديد فهو ما أعلنه الدكتور فاروق الباز من ان ما يوجد في مصر من مياه جوفية اكبر مما يوجد على سطحها وقد استخدم احدث تقنيات الاستشعار عن بعد التي تكشف ما في باطن الأرض.
أما ما يوجد على السطح فيكفى الإشارة إلى بحيرة السد العالي التي تمتد 500 كيلو بمتوسط عرض 10 كيلو متر وبها 162 مليار متر مكعب مياه يتم استعواضها سنويا مع مياه الفيضان التي تفيض في بعض السنوات عن استيعاب البحيرة فيتم إلقائها في مفيض توشكى أو تمريرها عبر السد العالي لتلقى في البحر.
وللبعض حسابات ساذجة حيث يقولون ان حصة مصر من المياه 55 مليار متر مكعب سنويا بقسمتها على عدد السكان فيكون نصيب الفرد 700 متر مكعب مع ان حد الفقر المائي 1000 متر مكعب فنكون بذلك فقراء مائيا وبذلك يستريح الجميع فلا تنفذ خطط للتنمية ولا يتم استصلاح للأراضي ولا استكمال للمشاريع القومية ولا تشغيل للشباب الذي يفقد الأمل ويذهب للهجرة غير الشرعية وما بعدها معروف.
أما العلماء الغيورين من خبراء الري فيقولون ان الـ 55 مليار متر مكعب تكفى لزراعة 13 مليون فدان لو استخدمت طرق الري الحديثة وذلك دون حساب ما يمكن زراعته على المياه الجوفية.
بقلم: د. مصطفى محمد سعيد: مركز بحوث الصحراء- وزارة الزراعة المصرية